الشعب الجزائري، ذلك التغير النسي


بالنسبة للأكادیمي محند تمجوت، التعبئة الشعبیة الواسعة النطاق التي تشھدھا الجزائر قلبت تم ً السائدة خلال عھد عبد العزیز بوتفلیقة.


«لدینا التجربة في التحكم في الشارع» ھو تصریح الوزیر الأول السابق أحمد أویحیى قبل بدایة الإحتجاجات الشعبیة
الضخمة. تم رفع شعار « لا للعھدة الخاسة » فكان جوابا مدویا لسلطة نسیت في غمرة موتھا أن تتحلل من ھذا الشعب.
عنفوان شباب متعطش لاستعادة قدره ھز أركان نظام یعیش آخر أیام دورة حیاتھ.
الإنبھار أمام ما لم یكن متوقع
بھبة شعبیة عبرت عن نفسھا بالعدد، بعیدة عن أي عنف، شاملة كل ربوع البلاد، بكل تحضروتنظیم مدبر،أعطى الشباب
درسا لھذه السلطة التي ظنتھ عدیم الوعي قاصر النضج. الشعارات المرفوعة و الأصوات المعبرة كانت رسائل موجھة
لحكام صم وعمیان أجبروا على الإنبھار أمام حجم ما تحقق من نجاح.
بدءا من الآن، صار لزاما إدخال ھذه القوة في كل الحسابات السسیاسیة وفي كل مبادرة حل للأزمة الحالیة. فخلال وقت
قصیر تحولت المظاھرات إلى ضغط شعبي لا یستغنى عنھ في المعادلة السیاسیة. بمجرد أن فرض الزخم الشعبي وجوده
عبر المظاھرات في 22 فیفري ، أصبح مستعجلا إبقاءه ساریا زمنیا مبرزا لوجوه جدیدة ، لضخ دماء جدیدة، و إنتاج
أفكار جدیدة، من أجل تقدیم مشروع بدیل.
في مقابل حكم المسنین، جاء الضغط الممارس من الشباب لیفرض نفسھ كجسر بین الأجیال محددا لمصیر البلد. سیكون
متبوعا بمظاھرات أخرى في الجامعات و النقابات و الوسط الجمعوي و التشكیلات المھنیة. كل المجتمع المدني سوف
یتحرك من أجل نیل حق المواطنة.
تعمیم الإحتجاجات الشعبیة سیجذب إلیھا المزید من شرائح المجتمع و سیكثف من قوتھا لإحباط عزیمة نظام وجد نفسھ
في موقع المدافع عن نفسھ. ولھذا فإنھ لا یكفي ترشید الغضب الشعبي بل یجب التواجد في الفضاء السیاسي كقوة اقتراح
في مواجھة سلطة منتھیة ومعارضة عقیمة. إلى جانب كون المطالب مشرفة و شرعیة على الشباب أن یھیكل ضغطھ
الشعبي حتى یضمن تواجده و یفرض نفسھ كطرف لا یمكن الإستغناء عنھ من أجل مستقبل البلد. إذا تمكن من تجاھل كل
الانقسامات الأیدیولوجیة والھویاتیة و غیرھا ، یكون قد تمكن ، في نفس الوقت ، من استرجاع الأمل و الشعور
بالاعتزاز لشعب كامل ذاق الخیانة من قوى مفترستھ.
انتھت صلاحیة المعادلة سلطة معارضة
السلطة و المعارضة كیانان متقابلان یتعاملان مع الأزمة الجزائریة حسب ما تقتضیھ مصلحة كل منھما، الحفاظ على
الحكم بالنسبة للأولى، و الإستیلاء علیھ بالنسبة للأخرى. أما الضغط الشعبي فإنھ لا ینزل إلى مستوى ھذه المناورة و لا
ینخرط في منطقھا. ھو یعمل من أجل إحداث تغییر ینطلق من القاعدة و یتطلع إلى رفع كتلة الوعي المتشكلة نحو عھد
جدید، عھد جزائر جدیدة، بعیدا عن التفافات نظام انقضى زمانھ یمیل إلى استعمال الخداع ، الإستدراج و الفساد لفرض
نفسھ، ثم العنف كآخر حل. السلطة الفعلیة تعیش حالة اضطراب، أعید تشكیلھا مع الھیكلة الجدیدة لجھاز المخابرات في
2015 .تتكون الآن من الثنائي الجیش و الرئاسة الذي یواصل العمل منسجما رغم ما تفرضھ لعبة القوة من اختلافات.
لقد تم إحداث سلسلة من التغییرات داخل الأسلاك المشتركة ، من إقالات و إحالات على التقاعد وإلقاء القبض على بعض
من كبار الضباط بالإضافة إلى فضائح أخرى تؤشر لعدم الإستقرار الذي تعرفھ ثنائیة الجیش و الرئاسة. سبب اھتزاز
استقرار الثنائي لیس غیاب الألفة بینھما بل یفرضھ المنطق، اھتزاز طال أمده و لا زال التخطیط بخبث مستمرا دون
التوصل إلى حل دائم. أرادوا تأجیل الإنتخابات و بدء مرحلة انتقالیة في محاولات لم یقبلھا أحد، ثم انتھوا إلى الطمع في
عھدة خامسة. ھذه الأخطاء تدل على حالة من التوجس، ولكنھا كذلك كشفت خللا في میزان القوة الذي یسیر النظام .
یبدوإیجاد الوئام عسیرا علي الثنائي المتكون من الرئاسة و الجیش. المعارضة یصعب علیھا الإتفاق على مشروع
مشترك تواجھ بھ السلطة، كونھا في الأغلبیة جزء منھا و لطالما تشاركت معھا، فھي تعاني من فقدان المصداقیة عند
الشعب الذي ھجرھا. محاولات الإجتماع على مشروع مشترك باءت كلھا بالفشل نظرا لغیاب من یقود المشروع. مسار
المعارضة الجزائریة یتبع منحى جیبي ، أحیانا حادة في مواقفھا و في الغالب متناقضة في تعاملھا مع قوة لا تھاود.
عجزھا عن فرض حدود القطیعة مع سیاسات نظام یناور باستمرار أوقعھا في فخ الإنقسام و جعلھا تتكیف مع منطق
الفعل و رد الفعل حسب تصرف السلطة التنفیذیة. لیأتي الضغط الشعبي في الوقت المناسب لتغییر النموذج في ممارسة
المعارضة السیاسیة خارج إطارھا المعتاد داخل الصالونات.
ترتفع الأصوات الآن من محفل الشعب جالبة التغییر من الأسفل مضعفة ھیاكل زبائن النظام التقلیدیین. ھذا الشكل الجدید
من المعارضة یھدد المكاسب الممتدة للنظام، ویتخطى الحواجز صاعدا نحو القمة. استمرار الضغط الشعبي و تضاعف
شدتھ بانضمام شرائح أخرى من المجتمع یھدد النظام بالإنھیار.
ماذا لو نشأ صراع داخل الثنائي جیش-رئاسة
الشكوك حول مصیر الثنائي إضافة إلى الضغط الشعبي أمور تبشر بأزمة خفیة سرعان ما ستظھر للعیان. فالشراكة
المنطقیة بینھما لم تعد تتناسب مع الوضع المفروض. الرئاسة في حالة ضعف، أتباعھا السیاسییین مضطربون و یحاولون
إعادة التموقع. الجیش بوجوده في موقع القوي یمكنھ أن یعلن الطلاق بالوكالة و بذلك یؤجل الإنتخابات. ھذا الإحتمال
الممكن والمقبول سینقذ الجیش من مغبة التدخل في شؤون السیاسة، و ھو ما یرید أن یروج لھ كعلامة لحیاده و ولائھ.
بعدما كان في السابق صانعا للملوك، یبدو الیوم یقتصر دوره على مجرد الدعم . لا یرید الجیش أن یظھر نفسھ كقوة یلجأ
إلیھا، ولكن كمؤسسة دستوریة و جمھوریة ، قائده أحمد قاید صالح ما لا زال یتردد بین واجب التحفظ و واجب الكلام
دون أن یصل إلى اتخاذ القرار المنتظر: إنقاذ الجزائر ثم العودة إلى الثكنة. ھذا الموقف المتناقض یدل على عدم حیاد
المؤسسة العسكریة الموجودة في قلب المفاعل. التغییر في موقف الجیش یعتمد على مدى شدة الضغط الشعبي. ھاجسھ
الرئیسي أن یجد نفسھ یواجھ بالقمع تطلعات الشباب. یحاول قدر المستطاع تجنب ھذا السیناریو الذي یذكره بأحداث سابقة
لا زالت جراحھا لم تندمل. أما ھوسھ الثاني فیتمثل في منع عودة الدولة العمیقة، دولة المخابرات، من خلال أتباعھا
السیاسیین و قائدھا الشبح الفریق توفیق. مساندي ھذا الأخیر یضاعفون الجھود من أجل دعم المرشح القادم من الجیش
الفریق غدیري ، حیث یخرج من الظل مساندین لھ بشكل یوحي بالخبث.
یمیل الجیش إلى الحفاظ على على موضع الوسط لكنھ یخاطر بدفع ثمن السكوت على تمادي مؤسسة الرئاسة التي تخطت
الحدود بتحولھا إلى عائلة حاكمة.
إذا كان الحكم للدولة، فإن القوة للشعب
التعطش للھیمنة ھو آخر ما ینطفأ في قلب الإنسان. ھذه العبارة لا تنطبق على أصحاب القوة في الجزائر؛ لأن في عقیدتھم
لا توجد آلیة دفاع. لا سیاسة لیبرالیة، و لا اجتماعیة فما بالك بالدیمقراطیة، إنما ھي سیاسة بازار. النظام عبارة عن تكتل
غیر متجانس ، مبني على المحسوبیة ، النفاق، الإنتھازیة و الإفتراس. یمتد على طبقة زبائنیة لا تعرف الشبع. استمرار
الضغط الشعبي سوف یحطم ھذا التكتل الذي تفرضھ المصالح أكثر من الإدیولوجیا. ستكشف لنا الأیام القادمة مدى
مرونة نظام یفتقر إلى الموارد للدفاع عن نفسھ. یصارع للبقاء على قید الحیاة . ھل سیلجأ أمام ھذا الزخم إلى العنف
كأسلوب أخیر؟
سلمیة المظاھرات تجبره على التصرف بھذه الطریقة ، لكنھ یلتزم حذرا استباقیا أمام أي انزلاق أو تلاعب یدفع ھو
ثمنھ. في مواجھة خیار حاسم، ستعمل السلطة في أسرع وقت على منع ارتفاع الضغط الشعبي: إما أن تتعامل معھ أو
تتفكك. عامل الوقت لیس لصالحھا ؛ ارتفاع الضغط الشعبي قد یضعف صرح النظام بإضعاف آلاتھ الدفاعیة متسببا في
صدأ رافعاتھا. بانتشاره في شرائح كبیرة من المجتمع، سیفرض معاییره لتغییر نظام مشلول لا یتوافق مع التطلعات التي
یطالب بھا الشعب.

وإد ًراكا منھ لخطر الانزلاق ، یعلم النظام جی ًدا أن الحل لإنھاء الأزمة یوجد بین یدیھ وذلك بإصلاح شامل وكامل للدولة
الجزائریة. مرحلة انتقالیة یتم خلالھا التأسیس لدولة القانون الجدیدة تجلس الجزائریین معا « بدون إقصاء أو تھمیش »
حول مشروع مشترك. تبقى المعركة الحقیقیة نفس معركة المقاومین الأوائل التي بدأت خلال حرب التحریر، و الواجب
إعادة إطلاقھا لیس بمثالیة و لكن بواقعیة ممكنة التحقیق بفضل حماس شباب عازم على استعادة المشعل.